كيف تغير التقنيات الحديثة نظرتنا للمال؟
عندما نريد تقدير قيمة أي شيء، عادة ما نتجه إلى “تسعيره” وربط “قيمة مالية” به، لكن ماذا عن تأثير التقنية على نظرتنا للمال بحد ذاته؟ في السنوات الأخيرة، قادت التغيرات السريعة في نمط حياتنا، والأدوات التي نستخدمها، والمحتوى الذي نستهلكه في نظرتنا إلى المال. حيث أدت التغييرات التقنية إلى آثار متباينة في معادلات الإستهلاك والإدخار لدى معظم الأشخاص.
من جهة أخرى، هنالك تريليونات الدولارات من الاموال المطبوعة حول العالم، إلا أنَّ الجزء الأكبر من المخزون المالي العالمي لا يمتلك شكلاً فيزيائياً. بل أنه مجرد سلاسل من الأرقام والكود البرمجي. ومع انتقال نسبة متزايدة من تعاملاتنا المالية إلى الفضاء الرقمي، يستمر تأثير التقنية على نظرتنا للمال بالتزايد.
هل جعلت التقنية قيمة المال تبدو أقل؟
في علم الإقتصاد، ظهر مفهوم “تأثير رقاقات الكازينو” (Casino Chips Effect) ليفسر شكل المال مقابل اساليب استهلاكه. حيث تؤثر فكرة عدم رؤية المال بشكل مباشر واستبداله برقاقات بلاستيكية على سلوك المقامرين واندفاعهم نحو المخاطرة أكثر من التعامل مع الأوراق النقدية.
يمتد هذا التأثير ليشمل البطاقات الإئتمانية وبطاقات الهدايا (ال Gift Cards) والنقود المخصصة داخل الألعاب والتطبيقات (مثل الجواهر والذهب وغيره) حيث أن نفس الأشخاص الذين قد يعتبرون صرف ٦٠$ على شراء اللعبة ثمناً باهظاً يمكن أن ينفقوا على شراء “جواهر” داخل اللعبة بنفس القيمة بدون أن يراودهم نفس الإحساس.
بالإضافة لتأثير غياب التعامل المباشر مع الأموال على “استصغار” قيمتها، فقد كان هناك تأثير هائل لتسهيلات الدفع والشراء الرقمي. حيث ألغى استخدام البطاقات البنكية الحاجة لحمل المال النقدي عند الشراء. فيما تضاعف التأثير مع إمكانية الدفع عبر الهاتف، وعلى منصات الشراء عبر الإنترنت والتي نمت حصتها كذلك في مبيعات التجزئة. من ٧،٤٪ إلى ١٧،٨٪ من ٢٠١٥ إلى ٢٠٢٠، وقد تصل النسبة إلى ٢٤٪ في ٢٠٢٣ حسب إحصائيات منصة Statista.
ويمتد هذا الغياب في التعامل الملموس مع الأموال إلى طرق تخزين الأموال؛ حيث أصبح مجرد رقم على الشاشة. بينما امتد امتلاك الأسهم والأصول المختلفة على التأثير في قيمة المال الظاهرية في أذهان المدخرين.
كما تحفز بطاقات الإئتمان مستخدميها على الإعتقاد أن مدخراتهم المالية أكبر مما هي عليهل في الواقع. وكلما ابتعد الاشخاص عن رؤية أموالهم المدخرة، كلما قل تفكيرهم بمصاريفهم، والطرق التي يتبعونها للتوفير والتخزين لأموالهم.
من جهة أخرى، تؤثر منصات التجارة الإلكترونية على معدلات الاستهلاك بشكل عام. إذ تندرج فكرة المنتجات المقترحة، وخوارزميات الذكاء الإصطناعي التي تحلل سلوك المشترين لتقدم لهم منتجات مختارة وعروضاً مخصصة في الساحة الخلفية لشاشاتهم، وكوبونات حسم تحثهم بها على صرف المزيد من المال.
إقرأ أيضاً: