التطور التقني يقود أكبر تحولات توازن القوى العالمية
عناصر المقال
لا شك أن توازن القوى العالمية مازال يميل بعض الشيء نحو بعض الأقطاب الرئيسية. ولكنه بالتأكيد لم يعد منحصراً في قطب واحد. كما في آواخر أيام انهيار الإتحاد السوڤييتي (أو حتى العثماني قبل ذلك). إذ يواكب حالياً هذا التوازن موجة مستمرة من التغيير. ولا يبدو أن هناك أي قطب وحيد قادر على الإستفراد بالتأثير العالمي. وبالطبع يقود التحول الرقمي جزء كبير من هذا التنوع.
ينظر البعض إلى قوة البلدان على أنها ممثلة بحجم الجيوش، أو عدد السكان، أو قيمة الشركات الكبرى لديها. لكن لا يعد اختزال قوة أي بلد في ناحية واحدة أمراً حكيماً. فبالإضافة إلى أهمية ما ذكر سابقاً، فإن المواقع الجيوغرافية، والثروات الطبيعية قد لا تقل أهمية أو تأثيراً. كما يُنظر إلى نِسب التعليم، ومستويات الإبتكار، وسرعة نمو المشاريع الناشئة في تحليل قوة البلدان وإمكاناتها. وفي عالمنا اليوم المتأثر كثيراً بالتقنية، بات صعود وانحدار العديد من الأمم مرتبطاً بقدراتها التقنية ومدى أهميتها على المساهمة عالمياً.
الحماية الجغرافية لم تعد كافية
سطح الهجوم الجديد سيبراني (Cyber Attack Surface)
لطالما لعبت الجغرافيا دوراً محورياً في قوة البلدان، حيث توفر السواحل الطويلة أرضية أرحب للتجار. كما توفر الجبال والتضاريس الصعبة على الحدود حماية من تهديدات الغزاة. فعلى سبيل المثال، كانت البلدان قادرة على فرض قوتها عالميا من دون أن تقلق من الهجمات المضادة على أراضيها. لكن في ظل التغيرات في يومنا الحالي، لم تعد قوى الهجوم محصورة بالأسلحة والجنود، بل باتت الهجمات تدار من على بُعد آلاف الأميال ومن فرق صغيرة في بعض الحالات. ففي عام ٢٠١٧، تعرض مصنع بتروكيماويات في السعودية لاختراق خطر تمكن فيه المخترقين من التحكم الكامل بالأنظمة. مما هدد الأمان ضمنه ورأس المال بالكامل. شمل الهجوم بحسب وسائل الإعلام حينها 3 مصانع بتروكيماويات في منطقة “الجبيل”، وهم شركات “صدارة، والتصنيع، والمتقدمة”، فيما نجت الشركة الرابعة، وهي “سبيكم”، بعدما علق المسؤولون نظام التشغيل الإلكتروني للمصنع.
العزلة لم تعد خياراً، والقوة تتطلب التعاون
وصل حجم التجارة العالمية إلى أكثر من ٢٨ تريليون دولار في ٢٠٢٢ وفق بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتطوير. هذه القيمة هي الأعلى في التاريخ، ويقدر أنها أكبر بخمسين مرة من معدلات التجارة العالمية في خمسينيات القرن الماضي. والاستنتاج الأوضح هو أننا نعتمد على التجارة العالمية بشكل متزايد اليوم. ولا يبدو أننا سنقلل من هذا الإعتماد في أي وقت قريب.
وعلى الرغم من امتلاك العديد من السلع اليوم سلاسل توريد عالمية ومعقدة، تظهر الأمور بصورة أوضح في السلع التقنية. لنأخذ الهاتف الذكي كمثال هنا. إذ يتم تجميع معظم الهواتف اليوم في الصين وفييتنام. لكن لمكوناتها قصة أطول بكثير. فالعديد من حساسات الكاميرات تصنع في اليابا،. فيما تعد كوريا الجنوبية وتايوان رائدتي صناعة الشرائح الإلكترونية دون منازع. كما يتم تصنيع العديد من المنتجات والتقنيات الأخرى في أوروبا وامريكا.
محورية سلاسل التوريد العالمية
في حالات سلاسل التوريد الطويلة لا يمكن تقييم الأمور عبر محورية القوة والضعف عند قياس توازن القوى العالمية. بل تعتمد العديد من البلدان على بعضها البعض بالرغم من خلافاتها السياسية. وعندما تكون سلاسل التوريد طويلة كفاية كما هي اليوم. فإن أي انقطاع في أي حلقة منها قد يؤدي إلى مشاكل كبرى، وحالات شح عالمية لا تُحمد عقباها.
تصفح أيضاً: