في عصر يمتاز بالعولمة والتقدم التكنولوجي، اكتسب مفهوم الرفاه المالي أهمية كبيرة في الآونة الأخيرة. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة ككل، لم يعد السعي لتحقيق الرفاه المالي يشكل تطلعاً فردياً فحسب، بل يمثل هدفاً جماعياً.
وفي هذا المقال، نوّد أن نتناول بشكل معمّق أهمية تعزيز الرفاه المالي في دولة الإمارات العربية المتحدة وفي منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، وتسليط الضوء على دور الحكومات وأصحاب الأعمال والمجتمع ككل في تحقيق هذا الهدف.
ما هو الرفاه المالي؟
يشير الرفاه المالي إلى الدرجة التي يشعر فيها الأفراد بالتحكم في مواردهم المالية. وتتأثر هذه الحالة من الرفاه بأدوار ومسؤوليات مختلف أصحاب المصلحة والتي سنقوم بتوضحيها لاحقاً في هذا المقال.
أهمية الرفاه المالي والدور الحكومي في دولة الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي
يتماشى الجهد من أجل تحسين الرفاه المالي في دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة دول مجلس التعاون الخليجي مع المبادرات الاستراتيجية الوطنية مثل خطة الإمارات المئوية 2071، ورؤية المملكة العربية السعودية 2030. وتهدف هذه المخططات التحويلية إلى خلق اقتصادات متنوعة ومبتكرة وقوية مع إعطاء الأولوية لرفاهية المواطنين والمقيمين.
ولضمان الشمول المالي وتخفيف الضغط على برامج الضمان الاجتماعي، يمكن وضع خطط التقاعد مع الأخذ في الاعتبار التركيبة السكانية المواتية والتي تشكل فئة الشباب الغالبية فيها. وتتيح هذه الميزة السكانية التدخل المبكر لتحسين الرفاه المالي. ومن خلال تمكين الأفراد لإدارة شؤونهم المالية بشكل فعَّال من عمر مبكر، يمكن تخفيف العبء على أنظمة الرفاه العام حيث يزيد المواطنون مدخراتهم التقاعدية. ولا يستثمر هذا النهج الاستباقي في السكان الشباب في المنطقة فحسب، بل يقلل أيضاَ من ضرورة التدخل لحماية الشرائح ذات الدخل المنخفض.
وتشكّل تنمية رأس المال البشري مبدأ آخر مشترك ضمن هذه الأهداف. وتدعم الاستثمارات الكبيرة في التعليم والتدريب على مهارات الاقتصادات القائمة على المعرفة. كما أن تحسين الرفاه المالي يمكّن الأفراد من الاستثمار بشكل أكبر في التعليم، وخلق قوى عاملة بمهارات عالية. ويدعم ذلك التطلعات الرامية إلى تعزيز الابتكار والبحث والتقدم التقني، ودفع النمو الاقتصادي والتنافسية العالمية.
وتمثل المرونة في مواجهة التقلبات الاقتصادية أمراً بالغ الأهمية، نظراً للتحديات الناتجة عن تقلب أسعار النفط وحركة السوق العالمية. فإذا تم تمكين الأفراد مالياً، فقد يتمكنوا من الاستمرار في الانفاق خلال فترات الانكماش الاقتصادي، واستمرار الطلب والنشاط الاقتصادي. وتعزز هذه المرونة الاستقرار الاقتصادي.
التوصيات:
هناك بعض التحسينات التي يمكن للحكومات أن تقودها من أجل تحسين الرفاه المالي للأفراد بما في ذلك: برامج الثقافة المالية الشاملة وقوانين حماية المستهلك وحوافز الاقتراض والادخار المسؤول، ومبادرات الرفاه المالي في مكان العمل والدعم الموجه للفئات الضعيفة والتقييمات الدورية للرفاه المالي. وتفسح هذه التحسينات المجال إلى حدٍ كبير لتحسين النتائج الملموسة على سبيل المثال. ووفقاً لدراسة أجرتها “ستاندرد أند بورز غلوبال” عن الثقافة المالية، فأن الدول الاسكندنافية بما فيها السويد والنرويج والدنمارك وفنلندا، تقود العالم بمتوسط 69% من البالغين متعلمين مالياً.
دور أرباب العمل:
ولأصحاب العمل تأثير مباشر على الرفاه المالي لموظفيهم. وبحسب دراسة أجريت في دولة الإمارات العربية المتحدة، أكّد 56% من المشاركين أهمية المزايا المالية في تحديد رضاهم الوظيفي.
كما أن هناك تدابير سهلة يمكن لأصحاب الاعمال وضعها على الفور لتعزيز هذا الجانب.
فإن المبادرات مثل تنظيم ورش عمل الرفاه المالي وتقديم التثقيف المالي يمكنها أن تلعب دوراً كبيراً في مساعدة الموظفين. أضف إلى ذلك فإن ضمان الشفافية والوضوح في هياكل الأجور وتقديم مشاريع الادخار للموظفين تشكل خطوات سهلة يمكن للموظفين تطبيقها.
إلى جانب ذلك، فإن تقديم مزايا إضافية لمكافأة نهاية الخدمة مثل خطط التقاعد والادخار طويلة الأجل مثل خطة مدخرات الموظفين في مكان العمل لمركز دبي المالي العالمي وحكومة دبي تعزز الأمن المالي طويل الأجل للموظفين.
دور الأفراد:
يلعب الأفراد دوراً محورياً في تعزيز الرفاه المالي من خلال تبني ممارسات مالية مسؤولة واتخاذ القرارات المناسبة والتعلم المستمر. ويساعد تطوير المعرفة المالية الافراد على تعزيز مفاهيم مثل إعداد الميزانية والادخار والاستثمارات وإدارة الديون. وتضمن الميزانية تخصيصاً فعالاً للأموال، بينما تمثل المدخرات وسّادة للطوارئ وتدعم الأهداف طويلة الأجل. كما تساهم الإدارة الواعية للديون والاستثمار الاستراتيجي في دعم الصحة المالية الشاملة. وإن وضع أهداف واضحة والبقاء على اطلاع بالتوجهات المالية المتطورة والبحث عن الاستشارات المهنية يعزز عملية صنع القرار. كما أن تطوير عقلية مالية إيجابية وممارسة الانضباط الذاتي ومنح الأولوية للتطوير المهني يزيد من إمكانات الأرباح. وإن الإدارة السليمة للمخاطر من خلال التأمين يوفر الحماية من الانتكاسات غير المتوقعة. وأخيرا، يمتلك الأفراد مفتاح نجاحهم المالي من خلال اتباع الممارسات الحكيمة والتكيف مع المتغيرات وإظهار الالتزام الثابت برحلتهم المالية.
دراسة حالة: استراتيجية المملكة المتحدة للرفاه المالي:
تعتبر استراتيجية المملكة المتحدة للرفاه المالي حالة دراسة نموذجية للسياسة العامة الفعَّالة التي تعالج الرفاه المالي. وتهدف استراتيجية المملكة المتحدة إلى تقديم فرصة الوصول إلى المشورة بشأن الديون لأكثر من 2 مليون شخص بحلول عام 2027، وبناء مرونة مالية بين الأطفال والشباب وإدخال التثقيف المالي في المناهج الدراسية.
وبوصفها مبادرة شاملة، فإنها تستخدم نهجاً متعدد الجوانب لتمكين المواطنين من التثقيف المالي على نطاق واسع، حيث يكتسب الأفراد المهارات الأساسية في إعداد الميزانية والمدخرات والاستثمارات. كما أن تركيز الاستراتيجية على المشورة المحايدة يضمن الوصول إلى إرشادات موثوقة، خاصة للفئات ذات الإمكانات المحدودة. ومن خلال تطبيق الابتكار الرقمي، فأنها تتكيف مع الأوضاع المالية. ويكمن نجاح الاستراتيجية في الجهود المشتركة، وتوحيد جهود الحكومة والمؤسسات المالية وأرباب العمل والمجتمعات. ونتيجة لذلك، يبرز نهج المملكة المتحدة للرفاه المالي كنموذج لتعزيز المرونة الاقتصادية واتخاذ قرارات مدروسة، مما يشكل سابقة لسياسة عامة ومؤثرة في جميع أنحاء العالم.
خاتمة:
يمثّل التوجه نحو تحقيق الرفاهية المالية في دولة الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي هدفاً تشارك فيه الحكومة وأرباب العمل والمجتمع ككل. وتسلّط مبادرات مثل الاستراتيجية الوطنية للتثقيف المالي لدولة الإمارات العربية المتحدة الضوء على القوة التحويلية للعمل الجماعي. ومن خلال تمكين الأفراد بالمعرفة المالية وضمان الممارسات العادلة وتعزيز ثقافة الوعي المالي، يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي تمهيد الطريق للرفاه المالي والازدهار المستدام. وتقف شركة “إيكويفو” في الطليعة مدفوعة بالتكنولوجيا والخبرة لدعم تحقيق الازدهار المالي في المنطقة.